خاص– ذهبت الحكومة في مشوار قانون الانتخابات النيابية إلى أقصاه وأصدرت قانوناً مؤقتاً، ولم يصدر القانون دون أن يحمل بصمات خاصة تنسب لهذه الحكومة، وأبرز بصمة على الإطلاق هي تبني القانون نظرية الدائرة الفرضية أو الوهمية، وهي الدائرة الانتخابية التي لا تمثل منطقة جغرافية محددة على خارطة الوطن، بل هي مجرد (كيس) من الأصوات يمكن أن يحمله المرشح معه أينما رغب، وبالتالي فإذا كانت الدائرة الانتخابية فرضية أو وهمية فإن النائب المنتخب كممثل عنها سيكون بالضرورة ممثلاً أو نائباً فرضياً أو وهمياً.
ويرى عدد من نواب سابقين، قرروا عدم الترشح للانتخابات القادمة، أن القانون سينتج نواباً خدميين من الدرجة الأولى، ولن يكونوا قادرين على أداء دورهم كنواب وطن، لأنهم سيكونون محكومين لـ(كيس) الأصوات الذي انتخبه في دائرته الفرضية، فالنائب سيرتبط بالصوت الانتخابي أكثر من ارتباطه بالوطن أو منطقة جغرافية منه، وهو ما يعني أنه لا توجد خطوات حقيقية نحو الإصلاح السياسي.
المستشار السياسي لرئيس الحكومة سميح المعايطة، وفي تصريح للمملكة اليوم، يرى أنه لا يوجد تعريف محدد للإصلاح السياسي، وعلاقته بقانون الانتخابات النيابية علاقة جدلية، ويتساءل هل يعني الإصلاح السياسي وجود كوتا للأحزاب، وهل قانون الصوت الواحد يشكل عائقاً أمام الإصلاح السياسي فعلاً، مشيراً إلى ضرورة الخروج من العموميات وتحديد النقاش.
ويؤكد المعايطة أن الإصلاح السياسي في الأردن ليس وصفة جاهزة بل يجب الأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات داخل المجتمع الأردني وبناء خطوات الإصلاح السياسي بما يتلاءم مع طبيعة هذا المجتمع.
ويوضح المعايطة أن قانون الانتخابات النيابية ليس قانوناً أبدياً بل هو اجتهاد سياسي للحكومة التي درست كل الخيارات المطروحة أمامها وتقدير سياسي من قبلها، وهذا من حق الحكومة لأنها صاحبة الولاية بنص الدستور، ولا يجب الحكم عليه قبل تطبيقه وبناء مواقف مسبقة، ولأنه اجتهاد، فإنه من الممكن أن يعدل ويتغير وفق ما يظهر عند تطبيقه، ويؤشر أن هذا القانون كان إحدى التصورات المطروحة من قبل بعض القوى السياسية، وذهبت الحكومة لإصداره بهذا الشكل بسبب وجود محددات فنية وسياسية أبرزها التزامها بإجراء الانتخابات النيابية قبل نهاية العام الحالي تنفيذا لكتاب التكليف السامي الذي التزمت الحكومة به.
ويتوقع المعايطة وجود معارضة لهذا القانون وهو ما برز من قبل بعض القوى السياسية في تسريبات حول القانون قبل صدوره، إلا أنه أكد أنه لا يوجد مؤشرات واضحة عن حجم هذه المعارضة ، خصوصاً وأن المعارضة حتى الآن صدرت كمواقف متوقعة من بعض القوى والأحزاب، إلا أنه بالتأكيد لا يوجد ما يمكن وصفه بحالة رفض شعبي للقانون، مشيراً إلى عدم وجود استطلاعات رأي بهذا الخصوص، وبالتالي فأي كلام في هذا المجال يعتبر غير دقيق وغير علمي.
وأكد المستشار السياسي سميح المعايطة أن ظهور برلمان قوي لا يحدده قانون الانتخاب فقط بل هو نتاج عناصر عدة منها النزاهة في الانتخابات ودور الناخبين بإيصال الأجدر والأفضل إلى اليرلمان، وموضوعية الحكومية وعدم تحيزها، ووفق ما سبق يرى أننا أمام فرصة حقيقية لإنتاج برلمان قوي.
وفي سؤال حول الدائرة الفرضية التي تبناها القانون المؤقت الجديد وضح المعايطة أنه لا يوجد تقسيم للناخبين، حيث ستبقى كتلة الأصوات الانتخابية كما هي في مناطقها الكبرى، إلا أن المرشح هو الذي سيختار دائرته الانتخابية الفرضية من ضمن المنطقة الانتخابية، والناخب يحدد الدائرة الفرضية التي سينتخب فيها يوم الانتخابات فقط وليس قبله.
ويرى المعايطة أن النظام الانتخابي المعتمد في القانون المؤقت الجديد يمنح الفرصة للكتل السياسية أو القوى الاقتصادية والاجتماعية المنظمة من حصد أكبر عدد من المقاعد النيابية في المجلس القادم.
الدكتور عبد اللطيف عربيات رئيس مجلس شورى الإخوان المسلمين يرى أن صدور القانون بصيغة القانون المؤقت يؤثر على القانون، لأنه القانون الذي يشكل حجر الزاوية في الحياة الديموقراطية، فلا يجوز أن يكون من صنيعة الحكومة وحدها، بل يجب أن يشارك في صياغته ممثلو الشعب (النواب)، لا أن يخضع إلى آراء وأهواء أشخاص محددين داخل الحكومة، مشيراً إلى أن الدستور نص على أن نظام الحكم في الأردن هو نيابي ملكي وراثي ما يعني أن السلطة التشريعية هي السلطة الأعلى يحكم الدستور، وأية محاولة لتهميش هذه السلطة أو إضعافها يعد مخالفة لنص وروح الدستور الأردني.
ويرى عربيات أن ما يحدث في القانون الانتخابي بين انتخابات وأخرى هو محاولات حكومية لـ(ترقيع) العيوب وهو أمر غير ذي جدوى، مؤكداً على ضرورة وجود قانون مستقل عن قانون الانتخاب ينظم عملية إدارة الانتخابات النيابية، حيث ينص الدستور الأردني على منع العبث بإرادة الناخبين ومعاقبة العابثين، ويجب أن يأتي قانون إدارة الانتخابات محدداً لمفهوم العبث ومعرفاً له، وتجريم كل حالة من حالاته مع النص على عقوبة لكل جريمة، مشيراً أن حالة العبث بإرادة الناخبين قد وصلت أقصاها في الانتخابات النيابية الماضية، لدرجة أن الحكام الإداريين لم يتجرؤوا على إيقافها أو مواجهتها.
ويؤكد عربيات أن المبدأ الأساسي في الانتخابات النيابية هو أن الانتخاب منوط بالمواطنة، وهو ما يعني أن الناخب يجب أن ينتخب في الدائرة الانتخابية التي يقع مكان سكناه ضمن حدودها، لا أن يتم نقل الأصوات من دائرة إلى أخرى في السجلات الانتخابية عند التسجيل، ونقل هذه الأصوات بالباصات يوم الانتخابات.
ويعتبر عربيات أن القانون المؤقت الجديد لا يبشر بنتائج جيدة، ولا يليق بدولة مثل الأردن، وخصوصاً في مثل هذه المرحلة التي يتعرض فيها الوطن لمؤامرات كبرى، وهو ما يشكل هدراً لمصلحة الأمة من قبل من يجب عليهم أن يحافظوا عليها ويصونوها.
وأكد عربيات أن الحركة الإسلامية لم تحسم موقفها من القانون والمشاركة من عدمها، وأن هذين الأمرين سيدرسان ويناقشان لاتخاذ القرار المناسب للأمة والحركة.
ولا يتوقع وجود فائدة من مناقشة القانون المؤقت بعد صدوره، لأن النقاش لن يغير شيئاً في هذا القانون الذي أصدرته الحكومة، حيث كان يجب مناقشته قبل صدوره وليس بعده.
إلا أنه يرى أن أسوأ ما في القانون هو أن المواطنين سيعزفون عن المشاركة بفاعلية في الانتخابات، كما حدث في انتخابات سابقة، وتحديداً في المدن الكبرى، مشيراً أن نسبة التصويت داخل هذه المدن كانت ضعيفة بعكس النسبة في القرى.
وحول إلغاء الامتيازات النيابية ومدونة العلاقة بين الحكومة ومجلس النواب، علّق النائب السابق الدكتور عودة قواس أن قرار الحكومة لا يعكس الحقيقة، فالإعفاء الجمركي لسيارات النواب في المجلس الخامس عشر لم يشمل النواب السابقين ولا يشمل النواب اللاحقين، وكان قراراً استرضائياً لنواب ذلك المجلس من قبل الحكومة حينها، وصدر القرار بأسماء النواب في ذلك المجلس، فهو قرار غير متجدد، وليس للمؤسسة البرلمانية.
وأشار قواس إلى أن عدد مقاعد النواب المسيحيين كانت 9 مقاعد حين كان عدد مقاعد مجلس النواب 80 مقعداً، ومازال عدد مقاعد النواب المسيحيين 9 مقاعد في ظل زيادة عدد مقاعد مجلس النواب إلى 120 مقعداً، حيث يرى أنه كان يمكن زيادة مقعد واحد على الأقل ضمن دوائر محافظة العاصمة التي تضم أكبر عدد من المسيحيين، مبرراً عدم التفات القانون المؤقت الجديد إلى هذه النقطة بعدم وجود حوار جاد ووطني قبل صدور القانون المؤقت.
ويؤكد قواس أن إضعاف المجالس النيابية المتواتر هو تغييب مقصود لعنصر أساسي من نظام الحكم المنصوص عليه دستورياً، حيث يشير الدستور أن نظام الحكم هو نيابي ملكي وراثي، ولا يمكن القول بوجود إصلاح سياسي إلا في تقوية لنظام الحكم الدستوري، وهو ما يعني تقوية الدور النيابي في الحكم.
قانون الانتخابات النيابية المؤقت يعكس رؤية الحكومة لدور مجلس النواب وأهميته، فهل سيكون هذا القانون خطوة للأمام، كما تدعي الحكومة، أم أنه سيكون قنبلة موقوتة قد تنفجر في أية لحظة، في حضن هذه الحكومة أو في حضن حكومة أخرى؟