الأربعاء , 23-أبريل-2025
حمل كفنه وعاد ... الكرم الأردني (عفو عند مقدرة)
حين يعفو الأردنيون تصير الجلوة ذكرى

حمل كفنه وعاد … الكرم الأردني (عفو عند مقدرة)

المملكة اليوم -

لم يعد راكان ابن الخمسة عقود قادراً على تحمل إجلائه عن قريته الواقعة شمال محافظة الكرك كونه من (خمسة) رجل أقدم على قتل احد رجال القرية قبل عام، مما اضطره الى حمل كفنه والتوجه لذوي المقتول إما للصفح والسماح له بالعودة أو لقتله أخذاً بالثأر.

تلك حكاية رجل تفتحت عيناه في قرية وادعة من قرى الكرك، وامضي طفولته وشبابة بين أحضانها، ولم يتخيل للحظة بانه سيغادرها قسراً، بسبب ثورة غضب تملكت ابن عم له فقتل آخر من عشيرة أخرى.

اضطر راكان ان يغادر القرية هو وأولاد عمومته، تماشيا مع العرف والعادات التي تجبر ذوي الجاني الخروج من القرية الى وجهة أخرى، وهي ما تعرف ب (الجلوة العشائرية) حقناً للدماء.

عاش راكان حياة صعبة بعيداً عن مسكنه الأصلي بعد ان باع أغنامه وهي مصدر رزقه الوحيد وحرفته التي يتقنها لكي ينفق على أسرته وما ترتب علية من التزامات مادية كبيرة من أجار مسكن جديد وحياة جديدة تختلف كل الاختلاف عن حياتة السابقة ، ما أصابه بحالة من اليأس والإحباط بعد حالة الإفلاس التي عانى منها أخيراًً، إذ لم يبقى لديه شيء ينفقه على نفسه وعياله، فكانت نفقاته تفوق قدراته.

كان يشعر بحالة من الضيق ويسأل نفسه، الى متى تبقى هذه الحالة؟ .. ولماذا ادفع ثمن غلطة غيري؟ أأصبح عالة على الغير؟!، بعد ان كنت أعطي هذا وأتبرع لذاك!..

تلك هواجس كانت تنتابه بين الفينة والأخرى، ونتيجة للتفكير والهم الجاثم على قلبه أصابه الهزال، وبات قليل الحراك والكلام.

يقول راكان: لم اعد أطيق الوضع بعد ان تركت حرفتي وأغنامي وبيتي وعشيرتي، وتملكني (هَوَسٌ) غريب في العودة للقرية مهما كلف الثمن.. لذلك قررت العودة وتسليم نفسي لذوي المقتول – عليه رحمة الله – لأنني أشبه ما اكون بالميت.

وأضاف وهو يروي حكايتة للمملكة اليوم والدموع بين عينية : كانت الدقائق تمر مسرعة ، وما أن حانت صلاة المغرب توضأت وأديتها جماعة ثم انطلقت الى حيث ذوي المرحوم، نعم: أريد الذهاب الى قريتي فقد سئمت الابتعاد عنها اكثر من ذلك.

وصل راكان مساء لمنزل ذوي “المقتول” وكانت المفاجأة.. حين تم استقباله والترحيب به كأي ضيف، وهي من شيم الكرام الكرام ، فقلت ها أنا بين أيديكم افعلوا بي ما تريدون “اقتلوني أو أعيدوني الى قريتي ومنزلي”..

أطبق الصمت حيث تجمعوا لرؤيتي.. وبعد لحظات قالوا لي أهلا بك ونعلم انه ليس ذنبك.. عندها عادت نبضات قلبي كالمعتاد بعد ان أصابها الجنون، وحمدت الله، وبعد ان ُكرّمت وتناولت طعام العشاء عندهم، قالوا: سنجتمع ونتخذ قراراً بعودتك قريباً، ولم يكتفوا بهذا الأمر فقد قدموا لي مبلغاً من المال واحضروا لي مركبة لتعيدني الى حيث (الجلاء).

وهكذا ينتظر راكان القرار، وهو على يقين بانه سيعود ليُربي أغنامه من جديد، ويعيش حياته بأمن وأمان، مقدراً ومثمناً المعاملة التي لقيها من ذوي المرحوم، فكانت درساً له ولغيره.

يفكر راكان بالعمل على تغيير ثقافة الجلوة، واقتصارها على القاتل فقط، وهو حكم الله – سبحانه وتعالى- إذ لم يعد بمقدور الأفراد ان يُهجّروا عن منازلهم بسبب حالة غضب تملكت قريب لهم لكنه لن ينسى مواقف الرجال، حين وقف أمام طالبي دمه فكان العفو عند المقدرة!!

شاهد أيضاً

الأردن يترأس اجتماعات الجمعية العامة الرابعة لمنظمة التعاون الرقمي

المملكة اليوم - تنظم منظمة التعاون الرقمي، يوم 19 شباط الحالي، الجمعية العامة الرابعة للمنظمة …