كتب هزاع التل – جاءت الردود على بيان اللجنة الوطنية للمتقاعدين العسكريين على شكل (التدخل السريع) من قبل عدد من الشخصيات الوطنية، هذا البيان الذي أحدث حراكاً غير مسبوق داخل الوسط السياسي وعلى المستوى العام أيضاً، وكان من أبرز أشكال (التدخل السريع) مقالين صادرين من أصحاب الدولة أحمد عبيدات وفيصل الفايز.
ورغم أن كلاً من أحمد عبيدات وفيصل الفايز لا يلتقيان بالمواقف في كثير من القضايا، إلا أنه يبدو أنهما وجدا الأرضية المشتركة التي يقفان عليها بالرد على بيان اللجنة الوطنية للمتقاعدين العسكريين، حيث كان منطلق السياسيين الحفاظ على الوحدة الوطنية مستندين إلى الميثاق الوطني الصادر عام 1990.
الاحتكام إلى الميثاق بعد سنوات النسيان، ومحاولات لاستبداله من خلال مبادرة (الأردن أولاً) أو الأجندة الوطنية أو مبادرة (كلنا الأردن)، نفض الغبار عن وثيقة تعد من أهم الوثائق السياسية في تاريخ الأردن الحديث، ويؤكد بوضوح أن الميثاق الوطني مازال يتمتع بحجة أخلاقية سياسية لم تتوفر للمحاولات اللاحقة عليه.
ولكن الاحتكام للميثاق الآن، والآن فقط، بعد مرور السنوات والأحداث منذ إعلانه إلى وقتنا الحاضر يطرح سؤالاً حول قدرته على ملئ الفجوات داخل البنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي ظهرت في ظل تغييبه، وهل يحتاج الأردن إلى ميثاق جديد أم أن تفعيل الميثاق الوطني يكفي كحل لما نواجهه من أزمات؟
طاهر المصري رئيس مجلس الأعيان ورئيس الوزراء الأسبق ومقرر لجنة الميثاق الوطني قال للمملكة اليوم أن “الميثاق الوطني يعد وثيقة تاريخية صاغتها كل الأطراف الفاعلة في الأردن، حيث تم تشكيل لجنة الميثاق بإرادة ملكية، وتم تسليم الميثاق إلى جلالة الملك الحسين بن طلال، رحمه الله، ومن ثم تم عقد مؤتمر وطني عام صادق على هذه الوثيقة، التي أصبحت وثيقة مصالحة بين النظام وجميع القوى السياسية.”
ويرى المصري أن الميثاق يحتوي على جميع العناصر الإيجابية التي يصلح تطبيقها من خلال العودة إليه وتفعيله بعدما تم تجاهله لفترة طويلة، وإن كان المصري لا يقترح صيغة محددة للعودة لتفعيل الميثاق، إلا أنه يرى ضرورة الإسراع بـ(لملمة) الأمور وخلق حالة من التوافق الوطني.
ويدرك المصري أن كثيراً من المستجدات قد حصلت على الساحة الداخلية والإقليمية منذ صدور الميثاق، وهو الأمر الذي يدفعه إلى القول أنه من الممكن إعادة صياغة الميثاق ولكن دون المس بمبادئه العامة، تلك المبادئ التي يراها سارية كسريان الدستور.
وحول ما ورد في الميثاق عن شكل العلاقة الأردنية الفلسطينية، حيث أشار الميثاق إلى مستقبل الوحدة بين الوطنين حين يستعيد الفلسطينيون أرضهم وحقوقهم وسيادتهم، أكد المصري أن أي كلام حول الوحدة الآن ليس في مصلحة أي من الطرفيين الأردني والفلسطيني، ورد ذلك لأسباب سياسية وظروف إقليمية، وحتى لا يتم استغلال هذا الطرح إسرائيلياً من خلال أفكار الوطن البديل أو الخيار الأردني لحل القضية.
سمير حباشنة، وزير الداخلية الأسبق وأحد الذين مثلوا المعارضة الأردنية في لجنة الميثاق الوطني حينه،ا يؤكد على أن الميثاق الوطني لا يتقادم ولا ينتهي الالتجاء إليه بعد فترة قصيرة، مبرراً ذلك بأن الميثاق شمل عناوين كبرى ليصير وثيقة فوق الاستراتيجية، وتحتاج إلى ترجمة هذه العناوين على أرض الواقع، وبالتالي فإن فاعلية الميثاق لم تنته حسب الحباشنة.
الحباشنة الذي يرى أن الميثاق يشكل دليلاً نظرياً في مختلف المجالات، مقتنع أن الميثاق بحاجة إلى تحديث، دون أن يمس ذلك ما ورد حول هوية الأمة أو الموقف من القضية الفلسطينية، مؤكداً أنه حين تبدأ الكينونة الفلسطينية وتنتهي القضية بدولة فلسطينية مستقلة كمنلة الحقوق والسيادة فإنه لا يوجد مستقبلين (مستقبل أردني وآخر فلسطيني) بل مستقبل واحد، إلا أن ذلك لا يمنع الآن من الحديث عن ترتيب العلاقة مع الاشقاء الفلسطينيين لحين نيلهم حقهم بإقامة دولة مستقلة، مشيراً أن الطروحات النظرية حول شكل ترتيب العلاقة ليس جديداً بل هو من الأسئلة المطروحة دائماً على الطاولة.
الدكتور ممدوح العبادي الوزير والنائب أكثر من مرة وأحد أعضاء لجنة الميثاق الوطني الأردني يرى أن الدستور هو المهم، فالتعامل مع الميثاق وغيره من المبادرات اللاحقة التي لم تفعّل أيضاً تشير بوضوح إلى ضرورة التمسك بالدستور نصاً وروحاً، وهو الأمر الذي لا يحدث الآن، مؤكداً أن على الدولة استعادة هيبتها سريعاً وأن تضبط السلوكات المبالغة من قبل الأطراف كافة، فالمشكلة برأيه ظهور الهويات الجهوية والفئوية وغياب الهوية الوطنية، هذه الهوية التي لا تحتاج إلى أفكار فلسفية بل إلى حضور الدولة، وأية مبادرة أو محاولة لصياغة ميثاق وطني جديد ستكون من قبيل تفريغ الحتقانات دون نتائج حقيقية، وسيكتب لهذه المحاولة ما كتب لسابقاتها، وهو البقاء حبيسة الأدراج.
الحل، كما يراه العبادي، بسيط جداً ولا يحتاج الذهاب إلى (القاضي)، على رأي المثل الشعبي، وهو أن يتم تطبيق الديموقراطية وانتخابات نيابية تفرز ممثلين حقيقيين عن الشعب الأردني.
السياسي والكاتب ناهض حتر يرى أن المشكلة الحقيقية في قصة الميثاق الوطني أنه لم يطبق نص واحد منه، مؤكداً أن جملة الأحداث الداخلية والإقليمية التي حدثت خلال العقدين الماضيين كنظام الصوت الواحد المتبع في الانتخابات النيابية منذ عام 1993 وحتى الآن، والتوقيع على اتفاقية وادي عربة، وسقوط التضامن العربي عام 1991 واتفاقية أوسلو عام 1993 واحتلال العراق عام 2003، بالإضافة إلى اختلال السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية المطبقة داخلياً لفترة عقد ونصف، أفقدت الميثاق زخمه وقدرته على البقاء كمرجعية حتى وقتنا الحاضر.
ويطالب بوجود ملتقى وطني لصياغة ميثاق جديد، على أن يمثل الملتقى الطبقات والمحافظات والأحزاب والقوى الاجتماعية الفاعلة شرط ألا يكون الحكم طرفاً، وألا يجلس على الطاولة.
وحول ما أثير مؤخراً حول الهوية الوطنية والعناصر المكونة لها، أكد حتر أنه لا يوجد وطني واحد ينكر أن هناك مكوناً فلسطينياً في الهوية الأردنية، وأنه حتى يضع الأمور في نصابها، فإن الخلاف القائم الآن هو على تجنيس أشخاص جدد، مؤكداً أن التوجه الذي يمثله ويتبناه لا يطالب بسحب الجنسيات بل بوقف الحالة التداخلية المستمرة منذ قرار فك الارتباط، وتطبيق ذلك القرار وعدم إيجاد مخارج قانونية لتجنيس أعداد جديدة.
التفاعلات الأخيرة على الساحة الداخلية بثت الروح بجسد الميثاق الوطني الذي ظن كثيرون أنه (مات وشبع موتاً)، وسواء رأى البعض ضرورة العودة إليه كما كان أو بتعديله أو لإنتاج ميثاق جديد، إلا أن الحقيقة هي أن الميثاق الوطني مازال أرضية يرتضي الأردنيون كافة بالوقوف عليها والارتكان لما يبوح به.