الأنانية هي أم وأب كل الشرور في هذه الدنيا، فالجشع هو وليد الأنانية، والذي يقبل ان يكون مصاص دماء يفعل ذلك بدافع الشره، والخيانة هي وليدة الانانية من منطلق ان الانسان يبيع نفسه في سبيل المنفعة الشخصية، والغرور هو ايضا تعبير عن انانية، وكذلك الحقد والانتقام!!.
باختصار.. لا يوجد شر في هذه الدنيا الا بدافع الانانية وعبادة الذات أو كما يقول تعالى في محكم تنزيله: «أرأيت من اتخذ إلهه هواه». وهذا الهوى وما يتفرع عنه من اهواء ليس الا حالات يغفل فيها الانسان عن ربه، وعن دينه وعن قيم الحياة الاخرى، وكلما تلبست الحالة الشيطانية الانسان وهو في موقع تأثير او صاحب سطوة فان هذه الانانية يعم شرها اكثر والاسوأ هو ان تتفاقم انانية الانسان ويتخيل حالة إله على الارض لينفرد بسلطة مطلقة لا حسيب ولا رقيب بل جوقات مطبلين وفرق مباركين للحاكم الذي يعزل شعبه عملياً ويحرمه من حقه في المشاركة أو في اي دور في خدمة وطنه، واي حديث عن تغيير أو اصلاح او محاربة للفساد لا يكون الا دعاية زائفة للتحايل وخداع الناس.
ولم يعد سراً ان آفة الوطن العربي كانت ولا زالت الحكم الديكتاتوري الفردي، وليس سراً كذلك ان هنالك حالة تأله عن البعض جعلتهم يتوهمون أن المجد هو بسرقتهم للارض وما عليها ومن عليها ممن يعتبرونهم بشراً بل أسراب نمل تدب على الارض.
تذكرت هذه الصور للمأساة العربية حاليا في ظل الثورات والاحتقانات والتوتر المتصاعد في كل مكان، وتذكرته وأنا اشاهد محاكمة الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، وما وصفه به كثير من الكتاب للمحاكمة بأنها محاكمة لفرعون مصر وقارون مصر الذي بات ماله لعنة أبدية عليه وعلى امثاله، وكما يقول الاستاذ الدكتور معتز بالله عبدالفتاح ان قصة قارون ليست قصة في القرآن فقط، وانما هي جزء من واقع تعيشه: قال له الناصحون «لا تفرح ان الله لا يحب الفرحين».. أي المبالغين في الافتخار بأنفسهم ظناً منهم ان عطاء الله لهم دليل رضا وحظوة، وانما حقيقة هو جزء من الابتلاء.. فالانسان يبتلى بالمنع والعطاء، قال له الناصحون «أحسن كما احسن الله اليك ولا تبغ الفساد في الارض ان الله لا يحب المفسدين». فقال في صلف «انما أوتيته على علم عندي».
ان كل قارون في كل عصر فتنة لغيره، وقد «قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا
مثلما أوتي قارون انه لذو حظ عظيم». ورد أهل العلم: «ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها الا الصابرون».. فأرانا الله في قارون آية بعد ان خسف به وبداره الارض». واصبح الذين تمنوا مكانه بالامس يقولون ويكأن، «أي عجباً»، «الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا ان من الله علينا لخسف بنا».
وقصة قارون ممزوجة بقصة فرعون هي صورة للتسلط ومليارات حسني مبارك الذي مد الله في طغيانه لينتهي هذه النهاية التي هي مصير كل الطغاة والمتجبرين الذين يتلذذون بتجويع شعوبهم وتعذيبهم ونهبهم وزيادة معاناتهم وسرقة عرقهم وتعبهم ومصادرة ابسط حقوقهم بما فيها حق المواطنة والحرية والكرامة.
ان في قارون عبر قديمة وفي مبارك عبرة جديدة صارخة لأمثاله من الحكام.