16 شهرا كانت كافية لنقله من منفاه من باريس إلى طهران محمولا على أكتاف الجماهير التي طالما استمعت لأشرطته “الثورية” بحماسة بالغة أدت لانتفاضة راح ضحيتها نحو 60 ألف شخص.
الرجل الذي أنهى حكم الشاه الديكتاتوري أرسى دعائم جمهورية ولغت في دماء شعوب أخرى في اليمن وسوريا والعراق، ثارت للتخلص من نير حكامها المستبدين.
في مثل هذا اليوم عام 1902 ولد روح الله بن مصطفى بن أحمد الموسوي الخميني لأسرة متدينة وفقيرة في مدينة آراك وتوفي والده بعد أشهر من ولادته وحفظ القرآن في سن مبكرة بصحبة أخيه الأكبر بعد وفاة والدته وهو في الخامسة عشر من عمره.
بعد تلقيه علومه الأساسية رحل الخميني إلى مركز المدينة لدراسة القانون الإسلامي، وذلك بعد أن أتم تلقي العلوم الإسلامية وفقا للمذهب الجعفري في الحوزات العلمية ، ثم التحق بالحوزة العلمية المركزية في قم لمتابعة دروسه إلى جانب تعلم الرياضيات والفلسفة حيث بدأ بتعليم الطلبة الجدد وبزغ نجمه بين أوساط الطلبة خاصة بعد مواقفه السياسية المناهضة للنظام.
بدأ الخميني بمقارعة نظام الشاه الذي كان يقدم نفسه وكيلا للمصالح الأمريكية في المنطقة عبر قمع الداخل الإيراني بجيشه الضخم وجهاز السافاك المرعب، إلا أن الخميني خرج بفكرة الحكومة الإسلامية وضرورة إقامة الدولة الإسلامية.
كانت النظرية الشيعية التقليدية تقوم على فكرة انتظار الإمام الغائب الثاني عشر الملقب بالمهدي وفقا للمذهب الجعفري فاخرج الخميني فكر ولاية الفقيه وهي نظرية دينية في شكلها سياسية في جوهرها استخدمها الخميني لتحريك الجماهير المعبأة بشعور المظلومية والمتكئة على التاريخ وتحديدا على حادثة كربلاء الشهيرة.
نجح الخميني بترويج فكرة ولاية الفقيه التي تنص على ضرورة تولي الفقيه الشيعي أو من يعرف بـ “آية الله” للسلطة بدلا من الإمام الغائب إلى حين ظهوره، وهو ما يجعل الولي الفقيه معصوما وصاحب قدرة هائلة على التحكم بالجماهير وهو ما حدث عقب بدء الخميني بحشد الجماهير لما عرف بالثورة الإسلامية عام 1979.
وبعد نشاطه المحموم في مقارعة السلطة اعتقل الخميني ثم صدر أمر بنفيه الى تركيا ومنها توجه إلى مدينة النجف العراقية حيث مكث هناك مدة تزيد عن 13 عاما قضاها يفكر بازاحة الشاه عن السلطة ما دفع بالأخير للطلب من السلطات العراقية بنفيه خارج البلاد حيث توجه إلى فرنسا التي احتضنته ومنها بدأ يبث أشرطة الكاسيت التي تحث الشباب على الثورة.
عاد الخميني إلى إيران، في شتاء عام 1979 بعد أن رفض عدة مبادرات من الشاه للتصالح مع المعارضة وتسليمها مناصب فرعية بعد أن خرج الملايين ضده في مظاهرات حاشدة فتح في إحداها النار على المتظاهرين فقتل مئات دفعة واحدة ما دفع المتظاهرين للمطالبة برحيله عن السلطة.
عاد الخميني واستلم دفة البلاد وبها فراغ إداري ودستوري عقب رحيل الشاه بعد فوضى خلفتها الصدامات بين قطاعات من الشعب مع الجيش والأمن كلفت البلاد ما يزيد عن 60 ألف قتيل.
نجح الرجل في امتصاص الصدمة بمعاونة رجال الحوزات الآخرين الذين لعبوا دورا كبيرا في قيادة التظاهرات وتسلم اغلبهم مناصب هامة في الدولة التي سميت الجمهورية الإسلامية الإيرانية وتخلصت من ارث الشاه وفرضت قوانين” إسلامية” وأعلنت المذهب الشيعي الاثني عشري المذهب الرسمي في البلاد.
بعد عام واحد من وصوله للسلطة بوصفه المرشد الأعلى للجمهورية والولي الفقيه المعصوم أعلن الخميني الحرب المقدسة على العراق واستمرت منذ عام 1980 وحتى عام 1988 وكلفت البلدين نحو مليون قتيل ولم تتوقف إلا بعد توقيع اتفاق برعاية الأمم المتحدة وبعد أن تجرع الخميني ” كاس السم” قبولا بالاتفاق.
بعد عام من انتهاء الحرب توفي الخميني وشيعه الملايين بعد أن أرسى دعائم الجمهورية التي أصبحت واحدة من أقوى الدول في المنطقة ، إلا أن سياساتها التوسعية المعروفة بـ” تصدير الثورة” وحلم” الهلال الشيعي” جعلتها في موضع عداء مع غالبية الشعوب العربية التي اكتوت بنيران أسلحتها في سوريا والعراق واليمن.البوصلة