محمد خرّوب – انطلاقاً من يوميات ووقائع جائحة كورونا التي تراجَعتْ ولم تخفِ نهائياً، يقرأ الملك عبدالله الثاني أجندة الأشهر المقبلة، بثقة وتفاؤل، مازجاً بين قصة النجاح التي سجّلتها أجهزة الدولة المُختلفة مدنية وعسكرية وشعبية، وخاصة ما ترتّب عليها واستُخلِص من دروس وعِبر, يجب أن تُؤخذ في الإعتبار, وعدم السماح بحدوث الأخطاء (على قِلّتها) التي حدثتْ، ما يستدعي بالضرورة إعادة ترتيب الأولويات وفق ما تم استنتاجه من تجربة وطنية فريدة, كانت موضع إعجاب ودعوات متعددة للاقتداء بها على مستوى الإقليم بل وبما يتجاوزه ايضاً.
في ظل ما وضعَه الأردن على رأس اهتماماته وأهدافه, وهو حماية المواطن كأولوية وطنية جامِعة، وبخاصة بعد ان شاهدنا بالصوت والصورة والأرقام, أن دولاً عديدة عبر المعمورة لم تمنح تلك المسألة الأولوية التي تستحقها، الأمر الذي فاقَم من أزماتها وزاد أعداد الضحايا, وعكس ضمن أمور أخرى عدم اهتمام بعض الدول بحياة مواطنيها, وهو أمر لم يسمح الأردن لنفسه مهما كانت الأكلاف والتضحيات, أن يكون جزءاً من مقارباته لمواجهة هذا الوباء العابِر للحدود والجنسيات والأَعراق.
ما حدث طوال (مَعركة) التصدّي لهذا الوباء، وما رافقه من إجراءات وقرارات وتعبئة عامة, شملتْ قطاعات واسعة أفقية وعامودية وخصوصاً بعد تخفيف الإجراءات وصولاً إلى فتح العديد من القطاعات، أسّس لأولويات جديدة يقول جلالته: لدينا تحدّيات عديدة تستدعي إيلاء الأهمية لإعداد الخطط والبرامج, والمباشرة في تنفيذ كيفية تخفيف الآثار الاقتصادية التي ترتبت على ذلك، ولهذا جاءت التوجيهات الملكية بأهمية وضرورة الإهتمام بالزراعة.. تحديثاً وتعميقاً وإسهاماً في الناتج الوطني، تماماً كما قطاع الأدوية والمستلزمات الطبية والصناعات المختلفة، دون إهمال مرفق السياحة المحلية, وثمة دراسات تُجريها جهات حكومية عديدة من اجل فتح الأردن لرحلات سياحية (تشارتر), قد تليها مرحلة البدء (وفقاً للظروف بالطبع) التفكير بالتوسّع بالنسبة للسياحة خصوصاً في مناطق الجنوب.
هنا..يلفِت جلالته إلى أن الأردن ليس الوحيد الذي تضرَّر اقتصاده من تداعيات وأكلاف كورونا, بل معظم إن لم نقل كل دول العالم بهذه الدرجة أو تلك، وبصرف النظر عمّا يملكه بعضها من قدرات مالية أو اقتصادية أو انتاجية، وكانت الأكلاف عليها باهظة وأكثر سوءاً مما يتصوّر كثيرون.
وإذ يمنح الملك المشهد الوطني الداخلي أولوية تتقدّم على سواها، فإن جلالته يشير إلى مسألة قد تكون غائبة – في ظل تداعيات كورونا – عن أذهان البعض، وهي أن التنسيق والتعاون بين مؤسسات الدولة المختلفة وعلى نحو يومي, يتم وِفق قواعد إدارية وعلمية راسخة ومدروسة، بل ان “بعضها” قد يكون يُنسّق مع أجهزة ومؤسسات حكومية أخرى لأول مرة منذ سنوات، ما يمنح الأمل والثقة للتفاؤل الملكي الذي كرّره جلالته أكثر من مرة, خلال الحوار المُثمر والمفتوح بلا قيود الذي أجريناه معه، وتأكيده أنه متفائل بخروجنا من “كورونا أقوى من أي وقت مضى” ، في الآن ذاته الذي لفت فيه إلى أخطاء حدثتْ, وهي ناتجة بالدرجة الأولى عن “غياب التنسيق” كأن يخرج مسؤول للإدلاء بتصريح دون تنسيق مع باقي مؤسسات الدولة وأجهزتها وهذا انتهى تماماً (يجزِم الملك) رغم أن خطأ كهذا لا يمرّ دون محاسبة.
موضوعات كثيرة وملفات عديدة كانت موضع تساؤلات ومداخلات الزملاء…منها ما هو خارجي ومعظمها داخلي، وبخاصة أوضاع الصحافة الورقيّة وملف الإعلام بشكل عام, الذي بات الآن موضع دراسة شاملة ومُعمّقة، تروم معالجة المشكلات بشمولية والصحافة الورقيّة واحدة منها، ناهيك عن خطط يجري إعدادها لمعالجة قضايا عديدة, كالتوظيف والبطالة والوضع الاقتصادي وخصوصاً التركيز على توفير العمالة للشباب.
في المُجمل دعا الملك إلى توفير القدرات والإمكانات وخصوصاً للعاملين الذين يجلسون في بيوتهم لأسباب ذات علاقة بكورونا، وعلى صلة أيضاً بالعمل والتعليم عن بُعد.
مُركِّزاً جلالته على مسألتين.. إحداهما ذات أولوية داخلية وهي العودة للإصلاح الإداري وسيادة القانون والعمل بشفافية ومحاربة الفساد والتزام الاستحقاقات الدستورية رغم مشكلات الإقليم، والثانية لها صلة بالإقليم والعالم, وهي أننا نعيش الآن في “عالم جديد” سيبدأ النهوض على أُسس ومُحدّدات مُختلفة عن تلك التي سادت قبل جائحة كورونا، لكن الأردن الذي سيُواجه تحدّيات ومُشكلات, سيخرج أقوى وأكثر قدرة على التعاطي مع استحقاقات “العالم الجديد” الذي أفرزته الجائحة.

أولويّات المرحلة المقبلة كما حدّدها الملك
المملكة اليوم -