الجمعة , 16-مايو-2025

كيف غيّر الأردنيون معادلة الدفاع الإعلامي عن الوطن؟

المملكة اليوم -

في مشهد غير مسبوق، شهد الأردن خلال السنوات القليلة الماضية تحوّلاً لافتاً في أسلوب تفاعل الأردنيين مع حملات التشويه المنظمة والممنهجة التي استهدفت الوطن ومواقفه الراسخة، لا سيما في قضاياه المركزية كفلسطين ووحدته الوطنية. فما كان قبل أعوام قليلة يواجه بصمتٍ وفتور، بات اليوم يواجَه بوعيٍ جماهيريّ رقميّ متقدّم، يليق بوطن اعتاد أن يكون في الصفوف الأمامية للأصالة والحق.

حتى قبيل جائحة كورونا، كانت مهمة الدفاع عن الأردن في الفضاء الرقمي مهمة رسمية لبعض المسؤولين وعدد قليل من الكتاب والصحفيين، بينما كان الأغلب ينظر بعين السخرية لكل من يرد على الإشاعات أو يفنّد الفبركات التي تمس الاردن. وكان المسؤول حينها إن تحدث، قوبل بالتشكيك تحت قاعدة “نفي النفي إثبات”. لكن ما الذي تغيّر اليوم؟ وما الذي جعل الأردني البسيط يصبح ناطقاً غير رسمي باسم وطنه، يذود عنه بشراسة وكرامة كما تابعنا ردود الأردنيين على حملة تشويه قادها موقع بريطاني يديره اشخاص محسوبين على جماعة الاخوان؟

بداية التحول جاءت مع تفكك أكذوبة ما يُسمى بـ”المعارضة الخارجية”، تلك التي روّجت لنفسها على منصات التواصل بأسلوب درامي ملغوم، وقدّمت الإشاعة وكأنها “معلومة استخبارية”، مستغلة عطش الناس للمعرفة في زمن الفوضى. تلك المعارضة – التي لم تحمل في حقيبتها سوى الطعن والتشكيك – كشفت عن وجهها الحقيقي حين ساومت الدولة على مكاسب شخصية، لتغلق الصفحات بعد أن انكشفت الغايات، وارتفعت الستارة عن مسرحية الرداءة السياسية. وما لبث أن تعرى بعضهم بعضًا، وتهاوت أسطورة “المصدر الموثوق” إلى سراب، ولم يبقَ في الذاكرة الشعبية من أسمائهم سوى الفضائح.

وقد يبدو مستغرباً أن تكون الرياضة، وتحديداً كرة القدم، هي الشرارة التي فجّرت موجة الدفاع الشعبي عن الأردن، لكن في وطن يعشق الرياضة، ويهيم بأنديته ومنتخبه، كانت الخسارة الظالمة في نهائي كأس آسيا 2023 أمام قطر، ومشاعر الغبن الشعبي نتيجة تحيز الحكم، الشرارة التي أشعلت الغضب النبيل. حينها لم يكن دفاع الأردنيين عن “النتيجة” فقط، بل عن الكرامة الوطنية التي استُهدفت بتهكم وقح من بعض الأطراف المعروفة بولائها الطائفي، خاصة بعد خسارة العراق من الأردن بذات البطولة، والتي حاولت الاستثمار في الخسارة لتجريح الوطن بأكمله. فما كان من الأردنيين – ابن معان كما ابن الزرقاء، وابن الوحدات كما ابن الفيصلي – إلا أن التفّوا حول منتخبهم، ووجدوا أنفسهم متّحدين، لا دفاعاً عن مباراة، بل عن الهوية الأردنية، والتاريخ، والمواقف المشرفة التي لا تحتاج إلى تسويق، بل إلى من يقدرها ويحميها.

اليوم، لم يعد الأردن يقف وحيداً أمام حملات التشويه؛ فقد وُلد في الفضاء الرقمي جيل جديد من الأردنيين، مشبع بالوعي، مدفوع بالكرامة، وقادر على المواجهة الحازمة. لم تعد وسائل الإعلام الرسمية وحدها في الساحة، بل باتت صفحات الأردنيين الشخصية هي خط الدفاع الأول عن الوطن. بات كل منتمي ومخلص، من كل الجغرافيا الأردنية، إعلامياً ناطقاً، وسياسياً مدافعاً، ومحللاً واعياً، لا يسقط أمام الإثارة، ولا يتهافت خلف العاطفة الكاذبة.

ولم يعد الأردني يقبل أن يُساء للجيش الذي يحمل أوجاع غزة على أكتافه، ولا أن يُشكك بمؤسسة الحكم التي وقفت – قولاً وفعلاً – إلى جانب فلسطين دون منّة ولا مزاودة. تلك المواقف التي خطّها الأردن الرسمي والشعبي بأحرف من شرف، كانت ولا تزال صخرة تتحطم عليها كل محاولات التشويه، مهما تعددت أدواتها وتنوعت منصاتها.
اليوم نحن أمام مشهد وطني جديد، صاخب، مزلزل، عنوانه: لا تسكت عن الباطل. صوت رقمي أردني لا يهاب ولا يخجل من الوقوف في وجه كل من تسوّل له نفسه النيل من الأردن وقيادته ومؤسساته. الأردني لم يعد ينتظر تصريحاً حكومياً ليرد على الإشاعة، بل أصبح هو الرد، وهو النفي، وهو الموقف.

وفي عالم بات الصراع فيه على السردية لا على الحقيقة، أصبح الأردنيون هم رُواة روايتهم، لا يتركونها تُكتب في الخارج، ولا يسمحون للمغرضين أن يملوا عليهم فصولها. لقد أرسى الأردنيون قناعتهم بأن صورة الوطن لا تحتمل التردد، وأن كرامته لا تُساوم، وأن الدفاع عنه واجب لا فضل فيه.

ففي زمن “المنصات” و”الترندات”، استطاع الأردني أن يصنع لنفسه منبراً ناطقاً، لا تزعزعه إشاعة، ولا تخدعه قُصاصة مشبوهة. إنه جيل رقميّ جديد، عابرٌ للمناطق واللهجات، موحدٌ في حبّ الأردن، وفي الثبات على قضاياه. وهكذا… أصبح الأردن اليوم في أيدٍ أمينة، لا تُحرس حدوده فقط، بل صورته أيضاً.