هل تخلت إسرائيل عن أطماعها في الأردن؟. هل أنهت معاهدة السلام ، الأخطار والتهديدات الإسرائيلية للأردن دولة وشعبا وكيانا؟. هل السلام الأردني – الإسرائيلي طريق ذو اتجاه واحد ، أم أنه قابل للتراجع والانتكاس؟. هل يمكن مقاومة هذه الأطماع والتهديدات وقبرها في مهدها؟. كيف نفعل ذلك ، ومن سيفعل ذلك؟.
حول هذه الأسئلة ومشتقاتها وتداعياتها ، يدور الجدل الوطني الأردني ويحتدم منذ أشهر وسنوات ، وهو بلغ ذروة غير مسبوقة في الأيام والأسابيع الأخيرة ، مصحوبا بمناخات من الاحتقان ، ناجمّ في ظني عن استمرار “انحباس” عملية السلام ، فكيف يمكن أن نجيب عن هذه الأسئلة ، وبما يسمح به المقام والظرف: أولا: لا بد من الإقرار بأن إسرائيل لم تغير جلدها ، ولم تتخل عن أطماعها وأحلامها السوداء ، في فلسطين والأردن على حد سواء ، وما يبدو بين الحين والآخر ، كزلة لسان أو موقف نشاز صادر عن هذا المسؤول أو ذاك الجنرال ، يشفُّ في واقع الحال عن مكنونات الموقف الاستراتيجي الإسرائيلي ، الذي يتجلى أكثر ما يتجلى في العدوان والاستيطان والترانسفير القسري ، وبصورة لا تتهدد حقوق الفلسطينيين وحدهم ، بل وتتهدد المصالح الأردنية كذلك.
ثانيا: لذا نرى أن السلام الأردني – الإسرائيلي ليس طريقا ذا اتجاه واحد ، فالمعاهدة على أهميتها النسبية ، قد لا تساوي الحبر الذي كتبت فيه ، عندما تحين لحظة الحقيقة والاستحقاق ، وتقفز إلى السطح المشاريع الإسرائيلية القائمة على نظرية “الثور الأبيض والثور الأسود” ، ومن هنا فإن الحذر والتحذير سيظلان سيدي الموقف ، وفي ظني أن قاعدة المؤمنين بوجوب الاستعداد لمواجهة هذا الخطر في اتساع ، وهي تطاول مختلف أركان الدولة ومؤسساتها ، وتشمل بمظلتها المجتمع بمختلف فئاته وأطيافه ، إلا نفرا قليلا من “الليبراليين المتغرّبين” الذين تتساوى عندهم قضية الفلسطينيين وحقوقهم بقضية “المثليين” وزواجهم ، هؤلاء لا ينبغي أن نقيم لهم وزنا كبيرا.
ثالثا: إن مواجهة ما ينتظرنا من مخططات ومشاريع وتحديات ، يملي علينا حفظ وحدتنا الوطنية بحدقات العيون ، والاستمساك بحشد الطاقات ورص الصفوف ، فالأردن القوي والمنيع ، وحده القادر على جبه التحديات الإسرائيلية ، والجبهة الأردنية الفلسطينية المتراصة والمدعّمة عربيا ، وحدها الكفيلة برد كيد الإسرائيليين إلى نحورهم.
رابعا: الديمغرافيا الفلسطينية ، شوكة في حلق المشروع الاستعماري في فلسطين منذ أن كان شعار “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض” ، وهي كذلك اليوم ويجب أن تظل كذلك في المستقبل ، ولا يجوز لأحد أياً كان ، وبصرف النظر عن النوايا ، أن يجعل منها سببا لاحتقان فلسطيني – أردني ، أو عاملا لإضعاف الوحدة الوطنية أو مصدرا لقلق أي فئة أو جماعة ، وإلا ستكون فتنة وفسادا في الأرض ، ونكون قد سهّلنا على الإسرائيليين تنفيذ مراميهم القذرة ، بدل أن نئدها في مهدها.
خامسا: إن الإصلاح السياسي والتنمية المتوازنة والشاملة ، هما الطريق لأردن قوي عزيز وعصي على المخططات الشريرة ، وعلى الحكومات أن تصغي باهتمام للأصوات المطالبة بتحقيق كل هذا وذاك وتلك ، لا أن تنظر إليها بعيون الشك والريبة والاتهام ، أو أن تعطيها أذنا من طين وأخرى من عجين.
سادسا: لا يظنن أحد ، أن الفلسطينيين ، بغالبيتهم الساحقة ، يمكن أن ينساقوا وراء مشاريع “ترانسفير” أو “وطن بديل” أو غير ذلك من أسماء ومسميات ، فهم تعلموا دروس النكبة والنكسة جيدا ، وحفظوها عن ظهر قلب ، وهم مستمسكون بأرضهم ووطنهم ، ومستعدون لأكثر الخيارات والبدائل والسيناريوهات كلفة ، شريطة أن تستعجل لحظة الحرية والاستقلال ، وتستقدم تحقيق حلم العودة ، على أنهم في المقابل ، يرفضون تماما محاولات الانتقاص من حقوقهم أو الارتداد على مكتسباتهم التي استحصلوا عليها بالجهد والعرق والعطاء والولاء والانتماء.
سابعا: وليكن شعارنا جميعا: كلنا أردنيون من أجل عزة الأردن ورفعته وصموده ، وكلنا فلسطينيون على طريق العودة والحرية والاستقلال والتحرر الناجز.
عشتم وعاش الأردن وفلسطين توأمين لا ينفصلان ولا يلغي أحدهما الآخر أو يحل محله.
عن صحيفة الدستور